كان صلى الله عليه وسلم إذا دُعي يلبي ويقول: {مَنْ دُعِيَ فَلْيُجِبْ} {1}
وكان صلى الله عليه وسلم يلبي حتى الفقراء، فكانت امراة من الأنصار تدعوه هو ورفاقه بعد صلاة الجمعة من كل أسبوع، وكان الطعام الذي تصنعه لهم ربما كثيرٌ منا لا يعرفه الآن، طعام اسمه السلق، نحن أكلناه منذ زمن ولكن شبابنا لا يعرفه الآن، وهو نبات عشبي يخرج عندنا في الزراعات، وكانت تدعوهم هذه المرأة عليه بدون لحم أو أي شيء، وكان يجيبها صلى الله عليه وسلم ويذهب لهذه الفقيرة
فعن سَهْلِ بْنِ سَعْدٍ، قَالَ: {كُنَّا نُصَلِّي مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ الْجُمُعَةِ، ثُمَّ تَكُونُ الْقَائِلَةُ، وَكَانَتْ فِينَا امْرَأَةٌ، فَكَانَتْ تَجْعَلُ فِي مَزْرَعَةٍ لَهَا سِلْقًا، فَكَانَتْ إِذَا كَانَ يَوْمُ الْجُمُعَةِ تَنْزِعُ أُصُولَ السِّلْقِ، فَتَجْعَلُهُ فِي قِدْرٍ، ثُمَّ تَجْعَلُ عَلَيْهِ قَبْضَةً مِنْ شَعِيرٍ فَتَطْحَنُهَا فَيَكُونُ ذَلِكَ السِّلْقُ عُرَاقَةً، قَالَ سَهْلٌ: فَكُنَّا نَنْصَرِفُ إِلَيْهَا مِنْ صَلاةِ الْجُمُعَةِ، فَنُسَلِّمُ عَلَيْهَا، فَتُقَرِّبُ ذَلِكَ الطَّعَامَ إِلَيْنَا، فَنَلْعَقُهُ، قَالَ: فَكُنَّا نَتَمَنَّى يَوْمَ الْجُمُعَةِ لِطَعَامِهَا ذَلِكَ} {2}
وكان صلى الله عليه وسلم في فتح مكة قد دخل على بنت عمه أم هانئ وكانت دارها بجوار الكعبة وقال: {هَلْ عِنْدَكِ مِنْ طَعَامٍ نَأْكُلُهُ؟ فَقَالَتْ: لَيْسَ عِنْدِي إِلا كِسَرٌ يَابِسَةٌ، وَإِنِّي لأَسْتَحِي أَنْ أُقَدِّمَهَا إِلَيْكَ، فَقَالَ: هَلُمِّي بِهِنَّ، فَكَسَّرَهُنَّ فِي مَاءٍ، وَجَاءَتْ بِمِلْحٍ، فَقَالَ: هَلْ مِنْ إِدَامٍ؟ فَقَالَتْ: مَا عِنْدِي يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِلا شَيْءٌ مِنْ خَلٍّ، فَقَالَ: هَلُمِّيهِ، فَصَبَّهُ عَلَى طَعَامِهِ، فَأَكَلَ مِنْهُ، ثُمَّ حَمِدَ اللَّهَ عز وجل ثُمَّ قَالَ: نِعْمَ الإِدَامُ الْخَلُّ، يَا أُمَّ هَانِئٍ، لا يُقْفَرُ بَيْتٌ فِيهِ خَلٌّ} {3}
وكان صلى الله عليه وسلم إذا ذهب إلى دعوة وتبعه أحد، يقول لصاحب الضيافة: {إِنَّ هَذَا اتَّبَعَنَا، فَإِنْ شِئْتَ أَنْ تَأْذَنَ لَهُ، وَإِنْ شِئْتَ رَجَعَ} {4}
يشترط عليه من البداية
وجَاءَ رَجُلٌ قَدْ صَنَعَ طَعَامًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: {يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَكَذَا وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ بِيَدِهِ، فقال لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: هَكَذَا، وَأَشَارَ إِلَى عَائِشَةَ، قَالَ: لا، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الثَّانِيَةَ، وَأَوْمَأَ إِلَيْهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَعْرَضَ عَنْهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، فَأَوْمَأَ إِلَيْهِ الثَّالِثَةَ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: وَهَذِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَانْطَلَقَ مَعَهُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَعَائِشَةُ فَأَكَلا مِنْ طَعَامِهِ} {5}
فكان يشترط عليه أولاً حتى لا يضعه في موضع الحرج.
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يأكل وحده، وكان أحب الطعام إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ما كثرت عليه الأيدي، وكان صلى الله عليه وسلم يكرر على أضيافه ويعرض عليهم الأكل مراراً.
{1} سنن أبي داود ومسند أحمد عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
{2} صحيح ابن حبان
{3} معجم الطبراني عن عبد الله بن العباس رضي الله عنهما
{4} صحيح مسلم والبيهقي عن جابر بن عبد الله رضي الله عنه
{5} سنن الدارمي عن أنس رضي الله عنه