بسم الله الرحمن الرحيم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
يصلي ويصوم ويقوم الليل ولكنه يسئ لزوجته وجيرانه
ماذا تقولون في شخص يصلي في المسجد ، ويقيم الليل ، ويصوم أيام
الاثنين والخميس ، والثالث عشر ، والرابع عشر ، والخامس عشر من كل شهر ،
ولكنه مع ذلك عديم الأخلاق مع زوجته التي يتشاجر معها كل يوم ، ومع
جيرانه ومعارف زوجته ، وأناس آخرين ؟
الحمد لله
مكارم الأخلاق من أعظم الغايات التي بُعث النبي صلى الله عليه وسلم
لتحقيقها في الناس ، فقد أرسله الله سبحانه وتعالى ليقيم في الناس الدين
الحق والحياة العادلة المقسطة ، بعد أن نظر الله تعالى إلى أهل الأرض
فمقتهم ومقت ما هم عليه من شرك وجهل وسوء خلق ، إلا بقايا من أهل الكتاب .
وقد عبر النبي صلى الله عليه وسلم عن هذا المقصد العظيم من مقاصد بعثته
بأداة الحصر " إنما " ، ليلقي في قلب السامع أن جميع العقائد والأحكام
التي جاء به الشرع الحنيف إنما تصب في هذا الهدف ، وهو إقامة الأخلاق
الحسنة ، وإقامة العدل والإحسان .
يقول صلى الله عليه وسلم : ( إِنَّمَا بُعِثْتُ لأُتَمِّمَ مَكَارِمَ الأَخْلاَقِ )
رواه أحمد في "المسند" (2/318) وحسنه الشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/45)
ولا شك أن من أعظم المشكلات التي يعاني منها بعض المسلمين اليوم : الفصام
بين جانبي العبادات والأخلاق ، حيث أصبحت الممارسة العملية للعبادات – لدى
بعض الناس - أشبه بالعادات أو " الطقوس " التي تؤدَّى بأشكالها دون
العناية بآثارها في النفوس والقلوب ، مع أن أركان الإسلام الأربعة – التي
هي أهم العبادات – كان من غاياتها تهذيب النفوس وتحسين الأخلاق .
فالصلاة مثلا : يقول الله عز وجل فيها : ( اتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ
مِنَ الْكِتَابِ وَأَقِمِ الصَّلاةَ إِنَّ الصَّلاةَ تَنْهَى عَنِ
الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ
يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ ) العنكبوت/45
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال :
( قَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ
كَثْرَةِ صَلَاتِهَا وَصِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا - غَيْرَ أَنَّهَا
تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟ قَالَ : هِيَ فِي النَّارِ .
قَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! فَإِنَّ فُلَانَةَ - يُذْكَرُ مِنْ قِلَّةِ
صِيَامِهَا وَصَدَقَتِهَا وَصَلَاتِهَا - وَإِنَّهَا تَصَدَّقُ
بِالْأَثْوَارِ مِنْ الْأَقِطِ وَلَا تُؤْذِي جِيرَانَهَا بِلِسَانِهَا ؟
قَالَ : هِيَ فِي الْجَنَّةِ )
رواه أحمد في "المسند" (2/440) وصححه المنذري في "الترغيب والترهيب" (3/321) ، والشيخ الألباني في "السلسلة الصحيحة" (رقم/190)
وكذلك الشأن في فرض الصيام ، فقد بين النبي صلى الله عليه وسلم أن الخلق
الحسن هو ثمرة الصيام المقبول ، فمن لم يجد هذه الثمرة ، لم ينفعه صيامه
عند الله .
عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
( مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ وَالْعَمَلَ بِهِ فَلَيْسَ لِلَّهِ
حَاجَةٌ فِى أَنْ يَدَعَ طَعَامَهُ وَشَرَابَهُ ) رواه البخاري (1903)
والزكاة أيضا إنما شرعت تزكية للنفس ، وتطهيرا لها من أدران الآثام والأوزار وغوائل القلب .
يقول الله عز وجل : ( خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا ) التوبة/103
وكذلك الركن الخامس من أركان الإسلام ، الحج ، يقول الله عز وجل عنه : (
الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُومَاتٌ فَمَنْ فَرَضَ فِيهِنَّ الْحَجَّ فَلَا
رَفَثَ وَلَا فُسُوقَ وَلَا جِدَالَ فِي الْحَجِّ ) البقرة/197.
ولو رحنا نسوق منزلة الأخلاق الكريمة في تشريعات الإسلام من الكتاب والسنة
لطال بنا المقام جدا ، حتى عقد ابن القيم رحمه الله في "مدارج السالكين"
(2/307) فصلا بعنوان : " الدين كله خلق ، فمن زاد عليك في الخلق زاد عليك
في الدين " .
لكن يكفي أن نتأمل كيف أن مكارم الأخلاق من المقاصد الأساسية لتشريع أركان
الإسلام ، ففي ذلك دلالة على عظيم منزلة هذا المقصد ، وضرورة المحافظة
عليه ، وجعله نصب عيني كل مسلم موحد لله عز وجل .
فالواجب عليكم أن تذكروا ذلك الشخص الذي يؤذي زوجته وجيرانه بتقوى الله
تعالى ، وأن الله عز وجل لا يرضى أفعاله تلك ، بل يسخط لأذى الجار والزوجة
والأقارب ، فأين هي آثار القيام والصيام على قلبه وخلقه وجوارحه ؟!
واستعملوا معه الرفق في النصح ، فحرصه على العبادة بذرة خير إن شاء الله